السويداء 2025- بين تنافس القوى، الحكومة الجديدة، والخصوصية الدرزية

في صورة باتت مألوفة، شهدت ساحة الكرامة في مدينة السويداء، الواقعة جنوبي سوريا، مظاهرات يمكن اعتبارها معاكسة للسائد، حيث احتشد العشرات صباح يوم الخميس الموافق 6 آذار/مارس 2025، استجابة لدعوات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي.
قام المتظاهرون بإزالة العلم الوطني من على واجهة مبنى المحافظة، واستبدلوه بالعلم الديني الخاص بطائفة الموحدين الدروز، الذي يرمز إلى أركان الدين الخمسة. وهتفوا بعبارات الولاء والمساندة للشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الشخصيات الدينية المرجعية في السويداء، كما رفعوا صورًا للشيخ موفق طريف، أحد كبار الزعماء الروحيين للدروز في إسرائيل.
مظاهرة السويداء والمجلس العسكري الجديد
غالبية المتظاهرين كانوا من المنتسبين أو المؤيدين لـ "المجلس العسكري في السويداء"، الذي يتزعمه العقيد طارق الشوفي، وهو ضابط منشق عن جيش النظام السوري. تأسس هذا المجلس في 24 شباط/فبراير 2025، ويضم عسكريين وضباطًا انشقوا عن النظام السابق، بالإضافة إلى عسكريين وضباط كانوا جزءًا من القوى الأمنية والعسكرية التابعة لنظام الأسد حتى سقوطه في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
في المقابل، كان الشيخ الهجري، الذي هتفت المظاهرة تأييدًا له، قد نفى أي صلة له بالمجلس العسكري عقب تأسيسه. وبالمثل، رفض العقيد الشوفي جملة من الاتهامات الموجهة إلى المجلس، وعلى رأسها علاقته بإسرائيل ومخططاتها الانفصالية، وتعاونه مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتخطيط معها لدعم اللامركزية في السويداء، وكذلك في شمال شرق سوريا.
تنافس القوى المختلفة في السويداء
الآراء في السويداء ليست موحدة، فكما كانت منقسمة بين مؤيدي نظام الأسد ومعارضيه خلال العقد الماضي، تشهد اليوم انقسامًا حول الموقف من الحكومة السورية الجديدة وكيفية التعامل معها. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن يتم تشكيل المجلس العسكري، وتنظيم المظاهرة التي أقدم فيها المنتسبون إليه على إزالة العلم الوطني من مبنى المحافظة، بعد استقبال الرئيس أحمد الشرع في دمشق لقائدي أهم التشكيلات العسكرية في السويداء، وهما ليث البلعوس، وسليمان عبدالباقي.
بافتراض صحة المعلومات التي تشير إلى ارتباط المجلس العسكري بالشيخ الهجري، فإن هذا يعني أن الشيخ قد وصل إلى قناعة بأن المكانة الدينية لم تعد كافية بتأثيرها ودورها في تحديد التوازنات الداخلية في السويداء، وفي الصراع الخفي على الزعامة فيها. ففي مجتمع كسكان السويداء، من الطبيعي أن تتنافس القوى الاجتماعية التقليدية، وعلى رأسها المرجعيات الدينية، مع القوى المجتمعية الجديدة التي نشأت خلال سنوات الثورة، وفي مقدمتها الفصائل والمجموعات العسكرية.
من هم الفاعلون في السويداء؟
قبل الثورة التي اندلعت عام 2011، كانت السويداء تعتمد في قراراتها المجتمعية على المرجعية الدينية المتمثلة بمشيخة العقل، التي توارثتها ثلاث عائلات رئيسية، هي: الهجري، والحناوي، والجربوع. إلا أن الثورة السورية، وما خلفته من ضغوطات أمنية واجتماعية على مر السنين، أفرزت قوى جديدة منافسة ومختلفة مع القوى المرجعية التقليدية، وأهمها:
قوات شيخ الكرامة بقيادة ليث البلعوس، وحركة رجال الكرامة بقيادة يحيى حجار، وتجمع أحرار جبل العرب بقيادة سليمان عبدالباقي، ولواء الجبل بقيادة شكيب عزام، وتجمع أبناء الجبل بقيادة لؤي أبو فاعور، ولواء "القاهرون" بقيادة عميد جريره، وقوات العليا بقيادة سامر بالي، وتجمع اللواء بقيادة سامر أبو العز، وسرايا الجبل بقيادة وائل أبو قنصول، وبقايا قوة مكافحة الإرهاب، الذراع العسكرية لحزب اللواء السوري.
العلاقة مع إسرائيل
لا يمكن إنكار وجود تواصل مستمر بين بعض الفاعلين في السويداء وإسرائيل، إلا أن هناك مبالغة كبيرة وتصويرًا نمطيًا غير دقيق لحجم هذا التواصل وطبيعته وأهدافه، ومآلاته المحتملة. صحيح أن إسرائيل تسعى إلى كسب حلفاء لها في السويداء، وفي مناطق أخرى جنوب سوريا، لكن الاستجابة للمساعي الإسرائيلية حتى الآن محدودة للغاية.
في حين أن التواصل الذي تجريه بعض المجموعات والقوى في السويداء، نشأ من طبيعة العلاقة بين الدروز السوريين والدروز في إسرائيل. في المقابل، تقوم مجموعات أخرى في المحافظة بتواصل مماثل مع الدروز اللبنانيين، وهذان المساران متعارضان تمامًا.
المسار الأول، الذي يقوم على التنسيق بين الدروز السوريين والدروز الإسرائيليين، يقوده من الجانب الإسرائيلي الشيخ موفق طريف، وبدأ تحت شعار حماية المكون الدرزي في ظل انتشار الميليشيات الطائفية في جنوب سوريا. ويتهم هذا المسار بأنه يدعم الضغوط الإسرائيلية الرامية إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومفككة، وهو ما يتعارض مع المسار الثاني الذي يتواصل مع الزعيم وليد جنبلاط في لبنان، ويهدف إلى حماية خصوصية السويداء والمكون الدرزي فيها، ولكن في إطار سيادة الدولة السورية الجديدة.
السويداء والعلاقة مع الحكومة في دمشق
بغض النظر عن التصريحات الرسمية التي تتسم بالمجاملة والتحفظ في التعبير عن التوجهات الحقيقية، هناك تنافس داخلي في السويداء على الزعامة والمرجعية، يعززه التواصل والتنسيق مع الأطراف الخارجية. وهذا الأمر يعد عاملاً جوهريًا يؤثر على طبيعة العلاقة مع العاصمة دمشق، بغض النظر عن الجهة التي تحكمها.
قد لا يظهر التنافس بشكل واضح بين المرجعيات الدينية التقليدية المتمثلة في الأسر الثلاث: الهجري والحناوي والجربوع، إلا أنه جليّ بينها وبين القوى الناشئة، وخاصة رجال الكرامة، وشيخ الكرامة، ورجال جبل العرب، الذين أعلنوا ولاءهم للحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في دمشق.
ليس من المرجح أن تكون السويداء في صدارة أي مشروع مناهض للإدارة الجديدة في دمشق، أو أن تكون جزءًا علنيًا منه، إلا أن العامل الخارجي، المرتبط جزئيًا بمشاريع معارضة للإدارة الجديدة، قد يستغل حساسية الوضع مع المكون الدرزي لممارسة ضغوط أو حتى تهديدات على الإدارة في دمشق.
خصوصية يحترمها الجميع
وعيدًا عن الصراعات السياسية والتنافس المحلي والإقليمي، هناك رأي عام في السويداء، وإن كان متأثرًا بالفاعلين الدينيين أو السياسيين، فإنه يتفق معهم على أن للمحافظة خصوصية تتمثل في عاداتها وتقاليدها وأعرافها التي يجب احترامها وتقديرها.
وقد أدركت الحكومة الجديدة في دمشق هذه الحقيقة، ويُعتقد أنها توليها اهتمامًا خاصًا، أو أنها مجبرة على ذلك، لأنه جزء أساسي من ضمان السلم الأهلي والاستقرار المحلي. فالمحافظة لها ثقافتها الخاصة في حل مشكلاتها وإدارة شؤونها، بما يتماشى مع الأطر المجتمعية والدينية السائدة فيها.
لا يوجد مشروع انفصالي جدي أو حتى شبه انفصالي في السويداء، لكن هناك مطالبة بخصوصية للمحافظة، ومن السهل أن تحصل عليها وتتمتع بها في إطار العقد الاجتماعي الجديد الذي تتطلع إليه سوريا.
في المقابل، هناك صراع داخلي وتنافس يؤثران على الموقف من القوى المحلية الأخرى، ويشمل ذلك العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة. ويزيد من تعقيد المشكلة استغلال القوى الخارجية لهذه الحالة، وعلى رأسها إسرائيل.